نشأة علم النفس . . . (مدخل لفهم ماهية علم النفس)
لماذا عليك قراءة هذا المقال ؟؟
إذا كنت محبا للإنسان وللتعامل معه ، وكنت شغوفا بمعرفة كيف يحس الإنسان وكيف يفكر وكيف يتذكر ،
وكيف يدير انفعالاته ، وكنت مهتما بمعرفة آليات تكون الدوافع وكيف يمكن توجيهها لما هو جيد !! …
إذا يبدو أنك مهتم ” بعلم النفس ” ^^
ما هو علم النفس ؟
علم النفس : هو ذلك العلم الذي يدرس السلوك والعمليات العقلية للعضوية .
فيقصدون بالسلوك: أي شيء نفعله ويمكننا ملاحظته ،
والعمليات العقلية: فهي من قبيل الانتباه ، والإحساس , والإدرك ، والتذكر ، والنسيان ، ادارة النفعالات ، دراسة الدوافع …
والعضوية: يُقصد بها شمول الدراسات على الإنسان والحيوان (فكثير من التجارب تجرى على الحيوانات وتعمم نتائجها على الإنسان . . . خاصّة في جانب التعلم وجانب الإحساس والإدراك)
ومن ثم يهدف علم النفس إلى سعادة الإنسان وعلاج أي اضطراب قد يحصل له في ما ذكرنا أعلاه .
ولكن العلماء لم يصلوا لهذا التعريف وهذه المواضيع الرئيسية لعلم النفس إلا بعد رحلة طويلة طويلة … فتعال معي قليلا كي
نجوب معا في رحاب مدراس علم النفس الغربي ^^
يقول ابنجهاوس : ” إن ماضي علم النفس طويل جدا ، ولكن تاريخه قصير ”
ففي هذه الجملة لخص عالم النفس الألماني هيرمان ابنجهاوس الكثير من المعاني التي نود قولها ، وهي أن الإنسان منذ وجوده وهو يحاول التعرف على نفسه وعلى قدراته السلوكية والمعرفية وعن ما هو جيد وما هو شر بقصد البقاء على حياته أو إرضاءاً للمقدس الذي يحيا له ويتمركز حوله ، ولكن علم النفس كما نعرفه الآن هو علم حديث جدا ؛ لا يربو عن قرن من الزمان أو أكثر بقليل ، فالنفس الإنسانية دائما ما كانت محل بحث وتقصي ، ولعل أول هذه المذاهب التي حاولت تفسير ماهية النفس وسلوكها والعوامل المؤثرة بها هي …
المدرسة الروحانية
في القرن الخامس عشر تم بلورة بعض المفاهيم الإغريقية عن النفس والإنسان وأسموها ب” علم الكائنات الحية والظواهر الروحية ” ولعل هذه المرحلة هي من أطول مراحل علم النفس زمنا ، هذه المدرسة قامت بإعلاء التفاسير الغيبية الخيالية بعيدا عن البراهين المنضبطة أو التجارب الحسية ، فكانت تعزو أي شيء من سلوك الإنسان الغريب إلى الشياطين والأرواح الشريرة والقوى الغيبية غير المثبتة .
*** وفي النصف الأخير من القرن التاسع عشر تغيرت دلالة الكلمة من المعنى الفلسفي السائد آن ذاك إلى سيادة الدراسة العلمية للظواهر العقلية من خلال ظهور …
المدرسة البنائية
فقامت بتأسيس أول معمل تجريبي لدراسة الظواهر النفسية والشعور ؛ وكان ذلك في عام 1879 في ليبرخ بألمانيا على يد عالم النفس والطبيب الألماني ويلهيلم فونت ، وهنا كان ميلاد أول مدرسة من المدارس الحديثة نسبيا لعلم النفس ،
فقد اهتمت هذه المدرسة بدراسة البنى العقلية للمعارف والمعلومات ، وتركزت أبحاثهم على استكشاف العناصر الأساسية لعمليات الوعي ،
فمثلاً كان فونت يعرض على المفحوص حبة تفاح ؛ ثم يسأله عن الذي أتى له إلى شعوره بعد رؤية التفاحة هل هو لونها أم حجمها أم لونها ؟
نلاحظ أن ما تميز به فونت هو :
1- استخدامه لأسلوب الاستبطان = أي أن يتعرف المفحوص بشكل ذاتي على خبراته وشعوره ( عندما سأل المفحوص عن ما شعر به ) .
2- اعتماده على طريقة المنهج العلمي في البحث عن الشعور وبنية العقل .
*** ولكن هذه الطريقة في دراسة العقل لم ترق لكثيرين مما مهد الطريق إلى ظهور …
المدرسة الوظيفية
التي كان أبرز الرائدين فيها الفيلسوف الأمريكي وليم جيمس ، الذي اعتقد أن من أهم واجبات علم النفس تتمثل في شرح وظيفة الشعور في أثناء توافقه مع البيئة المتغيرة دوماً ، ففي الوقت الذي ركزت فيه البنيوية على داخل العقل ركزت الوظيفية على تفاعل الفرد مع المحيط الخارجي ،
واستخدمت هذه المدرسة أساليب للدراسة مثل : الاختبارات النفسية ، والدراسات المسحية ، والدراسات التجريبية المخبرية .
*** ولكن البعض نظر إلى هذه المدرسة .. أنها تابعة للبنائية من حيث لا تدري مما أدى إلى ظهور …
المدرسة السلوكية
وأبرز الذين حملوا راية السلوكية هو عالم النفس الأمريكي جون واطسون ، فوضع أسسها ونشر فكرها الذي يتمثل في رفض الحديث عن العمليات العقلية والاستبطان ، والتأكيد على أن علم النفس لا يجب عليه أن يدرس إلا ما نستطيع ملاحظته وقياسه ، وظل هذا المنحى على مدى الستين عاماً من القرن الماضي يؤكد على الاستجابات السلوكية الملاحظة ومحدداتها البيئية ، ولكن هذه المدرسة ازداد روادها وعلماءها فهذبوا أسسها ؛ فأدخلوا العمليات العقلية والمعرفية في مفهوم السلوك .
وخلال ظهور هذه المدارس كان هناك عددا من العلماء رفضوا أن ينظروا إلى الإنسان كمجموعة مجزأة من الأفعال والسلوكات
فظهرت لدينا …
المدرسة الجشطلتية
أقام هذه المدرسة مجموعة من العلماء الألمان مثل : كوفكا ، فرتهايمر ، ماسلو ( تبنى شيء من أفكارها )
التي نادت إلى النظر إلى الإنسان كوحدة واحدة دون تجزئة ومن هنا جاء اسمها ؛ فكلمة جشطلت هي ألمانية وتعني “الكل” ، وفي ذلك تحد واضح للبنيوية التي ذهبت أن “الكل” يمكن أن يقسم إلى عناصر أساسية يدرك كل منها على حدة مما يؤدي إلى إدراك “الكل” الذي هو مجموع عناصره ، أما الجشطلتية فتقول أن الكل (الإنسان) يمتلك خصائص مغايرة لخصائص كل عنصر على حدة ، ومن خلال ذلك وضعوا عدد كبير من قوانين الإدراك ؛ لوصف الكيفية التي تنظم بها عيوننا وأدمغتنا العالم من حولنا .
وفي هذه الفترة التي تطورت فيه النظرية الجشطلتية في ألمانيا ، والنظرية السلوكية في أمريكا ، برزت مدرسة بقوة في النمسا تسمى ب …
المدرسة التحليلية
ورائد هذه المدرسة هو أشهر عالم نفس عند العامة والخاصة إنه طبيب الأعصاب سيجموند فرويد ، ولعل هذه الشهرة قد أخذها من غرابة بعض أفكاره في علم النفس !! وكتبه الموجودة هنا وهناك واستحداثه لبعض المفاهيم غير المعهودة مثل : العقل الباطن ، زلات اللسان ، عقدة أوديب … ،
بدأ فرويد بعلاج المرضى باضطرابات انفعالية بواسطة التنويم المغناطيسي ، فوجد أنهم يتذكرون خلال التنويم المغناطيسي ما لا يستطيعون تذكره في الظروف الطبيعية وأن تلك الذكريات كانت غالبا ما تتوجه نحو أفراد معينين …
مما جعله يطور أفكاره في التحليل النفسي ، فجعلها تتركز أكثر حول الدوافع اللاشعورية مثل الأحلام وزلات اللسان ( أي خروج كلمات خارجة عن سياق الحديث الذي أريده ) .
وقد ركزت المدرسة التحليلية على التطبيقات العملية على أرض الواقع أكثر من التركيز على البحث التجريبي ، لذلك فإن ما طرحته هذه المدرسة من أفكار ومفاهيم هي قضايا جدلية يصعب التحقق منها .
*** كانت هذه سياحة بسيطة في مدارس علم النفس ( الحديث نسبيا ) ، فنحن لم نعرج على التاريخ الفلسفي لعلم النفس ، ولم نذكر تيارات هذه المدارس ، واقتصر الحديث هنا عن المدارس الغربية الأولى التي تأسس عليها معظم ما نراه اليوم من إنتاجات ومعارف في علم النفس الغربي ،
ولم نذكر شيء عن المدرسة الإسلامية في علم النفس التي أعتبرها مظلومة في جامعاتنا ومعاهدنا على غناها المعرفي والفكري ولكن الثقافة الغالبة تحتم علينا دراسة علومهم وإنتاجاتهم وإن كانت أقل نجاعة مما لدينا !!
وإن أردت معرفة نبذة عن تاريخ علم النفس الإسلامي ، عليك بهذا الفيديو . . .
https://www.youtube.com/watch?v=vXLbyCEZdiA
للتوسع في تاريخ علم النفس عليك ب :
* قراءة الفصول الأولى من الكتب التي تقدّم لعلم النفس مثل :
علم النفس العام ، دار المسيرة
علم النفس ، دار آمنة
أصول علم النفس ، أحمد عزّت راجح ، دار الكاتب العربي
* مطالعة كتاب “علم النفس في مائة عام ” ، ترجمة لطفي فطيم ، دار الطليعة
* للتوسع في تاريخ علم النفس الإسلامي = “علم النفس في التراث الإسلامي” ، إشراف د. محمد عثمان نجاتي و د. عبد الحليم السيّد
بقلم : محمد عمر
اترك تعليقاً