كان لا بدّ من مرحلة عمرية تشعر فيها وكأنك إمّعة، كل ما يشتريه الغير تشتريه، كل ما يطمح له الآخرون تطمح له. ما يعجبهم هو بالضرورة يعجبك. إلا أنّ اليقين بأن تدرك في وقت معيّنٍ بأن تلك المرحلة هي التي تُسمى بال(ضياع) وما من هناءٍ إلا بعد الاهتداء.
هناك طريق ينتظر كل روح منا. مهما طال الطريق ومهما طال الضياع، سيلتقي بنا. مرحلة الضياع هذه كنت فيها فيما قبل الثانوية. حتى أنني لم أكتسب موهبة الرسم إلا من بعد تقليدي لأختي فكنت أمسك الألوان وأجرب إلى أن اكتسبتُ موهبةً جرّاء هذا التقليد -الإيجابي-
كان معدّلي الدراسي في ارتفاعٍ دائم ولله الحمد. حصلتُ على منحةٍ لأكمل المرحلة الثانوية في المدرسة الكُفء. في بداية الأول ثانوي وبعد قبولي بقسم العلمي، صحوتُ فجأةً حين كانت كل معلمة تبدأ حصتها بسؤال كل منا عن تخصصها التي تحلم به. هندسة . هندسة. جراحة. طب. طب. هندسة. ماذا عنكِ رند؟ ممم لا أدري. ربما لغات. ربما فنون. (تتعالى الضحكات) علمي وطموحات أدبية؟ نعم. كلنا يعرف بأن القسم العلمي يفتح مجالات أكبر في الجامعة.
شعرتُ بأن معالم الطريق بدأت في الاتضاح. أنا على يقين بأن الهندسة والطب لا يشدّانني. ماذا لو اختصرتُ الطريق؟ أجعل من العلمي أدبًا؟ تكمن المشكلة بأن مدرستي لا تملك قسمًا أدبيًّا. كان عليّ التخلي عن صداقات كوّنتها منذ سنوات وعن طاقم رائع من المعلمات اللاتي لم يشجعنني -انطلاقاً من مبدأ قدرتي على القسم العلمي- سوى معلمة واحدةً آمنت بما يمكنني تحقيقه. رجعتُ إلى مدرستي القديمة. أنهيتُ الثانوية بمعدّلٍ رائع. اكتسبتُ مواهب أخرى أعانتني على مصاعب هذه الحياة. قرأتُ كثيرًا. ومن المستحيل أن تقرأ ومن ثم لا تكتب! يزورني #قلمي تارةً لأعبّر عني وربما عن غيري. وتارةً أخشى أن يجفّ.
أجمّع أشياء وتُحَف قديمة. أزرع وأسمّد وأسقي وأطّلع على علم النبات.
يقولون بأنني أنظر للأشياء من زوايا أخرى. أغصب عينيّ لرؤية جميلٍ في شيءٍ مهما كان بسيطًا فنحن بالطبع بحاجةٍ له. أردتُ تخليد لحظات، فوجدتُ الكاميرا مُجدية. بدأت بعدسة الهاتف. كنتُ ولا زلتُ أؤمن بأن الذكاء يكمن في التعديل والتغذية البصرية والمعرفية التي تعرّفك على برامج تزيد من جودة الصورة واحترافيّتها. كان المتابعون يراهنون على كثير من صوري ما إن التُقطت بكاميرا احترافية أم من مجرّد عدسة Iphone.
شيئًا فشيئًا إلى أن استخدمتُ الكاميرا الاحترافية والفوريّة وغيرهم. لا أزال أعترف بأن تصويري لا يُعدّ إبداعيًّا إنما إلهاميًّا. ما الذي أُجديه نفعًا إن أتقنتُ كل زوايا وإضاءات الصور وال focus وال iso وال saturation وأنا لم أوصل الفكرة بعد؟
بعد إدراك المواهب التي جمّعتها في جعبتي. وجدتُ تخصّص الإعلام مُحاكيًا لي ولشخصيّتي ولاهتماماتي تمامًا. وبالفعل رسّختُ الفكرة -التي ظهرت قبيل الامتحانات بأيام- لتصبح طموحًا أَدْرَكَه المنال.
ها قد أنهيتُ السنة الثالثة من تخصص الإعلام والصحافة-علوم سياسية في جامعة من أقوى التصنيفات العربية. أسعد في كل خبر ينشر لي في الصحف.
حين تدرس تخصّصًا من اختيارك، تجده سهلًا كلما ازداد صعوبةً. تجده لذيذًا كلما ازداد مرارةً. قصيرًا كلما ازداد طولًا. يصبح نهج حياة. هو ليس مجرد سنين جامعية معدودة ما إن انتهت، تفارقها. هو ذاته الطريق الذي كان ينتظر اللقاء بك. وسيطول اللقاء الذي تحقّق. ولن ينتهي.
لن أتحدّث عن ردّة فعل كل من ظنّ بأن تحويل القسم فكرة ليست صائبة، بل وربما غبية. وبأنني أضيّع نفسي بدلًا من إيجادها.
تكفيني النظرة التي يرمقونني بها كلما قابلتهم. وكأنها تأييد. وكأنها فخر.
لا تهرب من خطوةٍ جريئة ما إن كنت متأكّدًا من النتيجة. لا تجعل من مرحلة الضياع -المؤقتة- دوامًا.
لله كلّ الحمد على طريق اتّضح. وعلى نفسٍ وجدْتُها.
-رند نصار.
(@randodehnassar)
[porto_block name="portfolio-bottom-block"]
اترك تعليقاً