كلمتني والدة ربى و هي منهارة…
– مس سمية: تم قبول ابنتي ربى في تخصص العلاج الوظيفي في جامعة العلوم و التكنولوجيا!!
– مبارك مبارك!.. جامعة العلوم و التكنولوجيا طموح الكثير من طلابنا, و التخصص مرغوب و له مستقبل..هل من مشكله؟
– نعم…فابنتي منذ لحظة معرفتها بالتخصص الذي قبلت به و هي تبكي بشكل متواصل..
– لماذا؟؟ كونها قبلت به هذا يعني أن معدلها سمح لها بهذا و أنها أدرجت تخصص العلاج الوظيفي ضمن الخيارات التي ترغب بدراستها.
– في الحقيقة…حصلت ابنتي ربى على معدل 79% في التوجيهي…و لأنها لم تستطع أن تحقق حلمها بدراسة أحد التخصصات المرموقة كالهندسة أو الطب…قررت أن تدرس “أفضل تخصص يتيحه لها معدلها” فأدرجت العلاج الوظيفي كأحد الخيارات في طلب القبول الموحد كونه يعنى بالعلاج و مجال عمله في المستشفيات و المراكز الطبيه..و لأن اسم التخصص “فخم”…حتى أنا ووالدها راقت لنا “فخامة” الفكرة!…الا أنه عند اعلان قبولها في التخصص اصطدمت بالواقع, و أيقنت أنها مقبله على دراسة ما لا ترغب.. و أن شغفها يكمن بدراسة…لا أعلم…هل لك أن تساعدي ابنتي؟
– سبحان الله..أسررتها في نفسي..و بهدوء طمأنت الأم و أخبرتها أن الأمور ستكون بخير باذن الله.
كم مرة مر علي هذا السيناريو في عملي في الاستشارات الأكاديمية و الوظيفية بأشكاله المختلفه…طالب يرغب بتخصص مرموق لا لشيئ الا ليشار اليه بالدكتور فلان او بالمهندسة فلانه…و أولياء أمور يشجعون أو يسايرون –و أحيانا يجبرون- أبنائهم لاختيار تخصص “فخم” يتماشى مع مظهرهم الاجتماعي, و طلاب و أهالي لا يقومون بأقل القليل من البحث و السؤال و استشارة اهل الاختصاص فيما يصلح لأبنائهم, و قرارات مصيرية تؤخذ هكذا بكل سطحية و بساطة و نحن لا نعلم أن مصائر ابنائنا و أسرهم و مستقبلهم قد يبنى عليها…الى متى!؟
ما سأتناوله هنا هو قضية ربى تحديدا (و هو بالمناسبة اسم مستعار لصاحبة هذه القصة الحقيقية)..بعد عمل دؤوب لمساعدة ربى على استكشاف ذاتها و ما حباها الله من نقاط قوة و عطايا و بعد التعرف الى ميولها الأكاديمية و المهنية و تحديدها بدقة و و التأكد من تفضيلاتها و سماتها الشخصية, تبين أن شغف ربى يكمن بدراسة الكيمياء, فالهدوء وحب العمل بشكل منفرد هو من أقوى سمات ربى الشخصية, و لربما كان هذا هو ما اربكها عندما تم قبولها بتخصص العلاج الوظيفي الذي يتطلب التعامل مع المرضى و الآخرين. كما أن قدرة ربى على التحليل و التفكير عالية و عشقها لتعلم العلوم البحته مبهر, و هي كذلك صبورة و جلودة و لا تحتاج الى الكثير من التعليمات لتقوم بعملها لوحدها بكل استمتاع. توصلت ربى في النهاية الى قناعة تامة بأنها أساءت الاختيار, وودعتني و هي عازمة على التوجه مع ذويها لتحول الى تخصص مختلف, أو الى البرنامج الموازي , أو الى جامعة مختلفة…
بغض النظر عن القرار الذي اتخذته ربى و عائلتها… حديثي موجه لطلاب التوجيهي ممن يعتقدون أن معدلهم هو ما يقرر أي تخصص عليهم أن يدرسوا. صحيح أننا محكومون بالمعدل العام للتوجيهي, لكننا لسنا محكومون باختيار تخصص لا يتناسب مع ميولنا و رغباتنا و شغفنا ففي الأمر سعه. في حالة ربى كان بامكانها أن تدرس تخصص الكيمياء بكل سهولة منذ البداية و هو تخصص تهواه و تعشق دراسته و كان هذا يتطلب منها أن تتنازل عن تخصص العلاج الوظيفي بالمقابل اذ ما العبرة من دراسة “التخصص الأفخم” و طلابنا يشعرون بالكآبة و الحزن كل يوم…و قس على ذلك كيف سينسحب الأمر على العمل الوظيفي والمشاكل المرتبطة به من الملل و قلة الانتاجية وانعدام الابتكار.
و من جهة أخرى, من يحدد ما هو التخصص الفخم و التخصص الأفخم؟ أليست كلها صورا نمطية و أفكارا قمنا بتضخيمها على مدى الزمن؟ في احدى الورش التي قمت بتقديمها لمجموعة من طلاب الجامعات الأردنيه كان معنا ما يقرب العشرة مهندسين. بعضهم على مقاعد الدراسة, و البعض الآخركان قد تخرج و بدأ بخوض غمار العمل . جميعهم بلا استثناء أبدوا استياءا ملحوظا من فرص العمل و الرواتب المتاحة و شروط التوظيف. قد تكون فكرة أن يدرس أحد أبنائنا الهندسة مثلا فكرة رائجة, و أنا كنت و لا زلت أول المدافعين عن أحلام طلابي بدراسة ما يرغبون، لكن علينا أن نعي التحديات التي سيواجهها أبناؤنا و نعينهم على التفكير ببعض البدائل. هل فكرة السفر للعمل في الخارج متاحة مثلا؟ ماذا عن الابتكار و انشاء مشروع ريادي؟ و غيرها…
و أخيرا, لا أغفل أهمية التعرف على ميول طلابنا الأكاديمية و المهنية و ما يستهويهم بطريقة علمية ممنهجة و بوقت مبكر حتى يتمكنوا من اختيار التخصص الأكاديمي على أسس ثابته بعيدا عن كل ما قد يتسبب لهم بالتشتت و الضياع و اتخاذ القرار الخاطئ لا سمح الله.
وفق الله ابنائنا لكل خير…و أنار بصيرتهم…و هداهم لما فيه نفعهم.
سمية شاهين
أخصائية مرخصة في الارشاد الاكاديمي و المهني و الوظيفي و التقييمات المهنية – جامعة ولاية كانساس
Enlight Academic and Career Consulting
FB.com/EnlightACC
[porto_block name="portfolio-bottom-block"]
اترك تعليقاً