ما صحيت على نفسي إلّا بلحظة ما سمعت كلّ اللي حواليّ بيحكوا: ” كيمياء بالأردنية! ليش بدك تتعبي أهلك وتتعبي معهم! مش لاقية إلا هالتخصص وبآخر الدنيا! معدلك منيح ليش اخترتي كيمياء” ..
أنا أسماء الخالدي، طالبة هندسة عمارة، من الجامعة الأردنية .. سُكّان اربد، الكُبرى في عائلة تحويني و3 إخوة شباب آخرين..
متلي متل كتير ناس، متفوّقة بدراستي، درست في مدراس وكالة الغوث، فكان خير تأسيس للقاعدة العلمية والمعرفية لدي ..
كِبرتْ وأنا بسمع من معلّماتي قبل أهلي، لقب دكتورة.. ولهيك تمسكّت بهالكلمة، وخلص أنا الدّكتورة يلي حجيب الأولى عالمملكة وأدخل طب بالتكنو .. الخ من الأحلام الوردية البسيطة بتاعت الطلّاب .
بدأت مرحلة التّوجيهي، وبدأ معها النّكد والتّعب والملل وعدم الشّعور بأي جدوى من إني أحط حالي بين 4 جدران وأدرس.. كانت فترة مملة جداً، ومتعبة لما بتشوف أهلك عم يتطلّعوا عليك بصفتك قدوة لباقي إخوتك.. مستوى التّوقعات كان عالي جداً، وكنت مبسوطة فيه للأمانة، ومفكرة إني رح أقدر أحمله..
مرّ الفصل الأول ومرّت معه كلّ محاولات أهلي لصنع بيئة مناسبة للدراسة، ما قصّروا أبداً لكن فعليّاً ما حسيت إني طالبة توجيهي إلا آخر شهر، وهوووب نتائج التّوجيهي بتطلع الساعة 2 بالليل وانا أبداً مش زي كلّ الطلاب الشاطرين المطمئنين اللي أهلهم بيشوفوا النتيجة وبصحوّهم من النوم ليرجعوا يناموا مرة تانية ب لا مبالاة..
أبداً، كنت بالدقيقة أعمل ألف تحديث للموقع، متوترة جداً .. عارفة حالي شو مخبصة يعني :3
ظهرت النّتيجة …
92.8% .. بكيت وقتها.. وحسّيت إني أبداً ما بستحق كلّ الثقة وكل التوقعات.. والدي كان راضي جدّاً وبيحاول يقنعني إنه المعدل منيح، ووالدتي كانت بتحاول تقتنع .. المعدّل يمكن منيح لكتير ناس، لكن بالنسبة لحد سقف توقعّاته 99، 93 تقريباً خسارة وفشل .. لكن ربنا قدّر ولطف ما كان المعدّل أسوء ، وأكرمني بدعاء والدتي ووالدي .. رضيت، الحمدلله :”) وبدأ مشوار الفصل التاني بنظرات الناس وخيبة أملهم، والكل بيهوّن بأسماء، ومعلش ، ومش مشكلة ..
نتائج الفصل التاني طلعت، 93.6% المعدل التّراكمي النهائي ..
ما كان صدمة أبداً، كنت بلّشت أرضى وأهوّن على حالي الأمر، وببالي إنه الخير كله فيما اختاره الله.. والحمدلله .. ما اكتشفت حقيقة النّعمة يلي ربنا كتبها إلي إلا في سنوات الجامعة.. الفشل اللي كنت بحاول أتقبّله هو أكبر سبب للي وصلتله أسماء الآن ..
وقت اختيار التّخصص، كنت ضايعة حرفياً، خصوصاً إنه الطب ولّى أدراج الرياح ، وصار بدي شيء أقل يرضّيني بقرب الطب.. صيدلة، د.صيدلة، تمريض ! برضه المعدلات ع وقتي كانت بالعلالي دفعة 2013 ما مرّت بارتفاع المعدّلات وقتها .. وكنت مقتنعة تماماً إنه الطب راح فما بدّي أي تخصص طبي آخر لإنه مش ميولي، لازم أشوف قدراتي ومواهبي وأقرّر..
يسّرلي بعدها ربّ العالمين من قدّم لي بعض النّصائح بخصوص تخصّص هندسة العمارة، خصوصاً إني إلي تجربة سابقة في الرسم وصنع المجسّمات المعمارية، وفزت فيهم بجوائز محليّة.. بتذكّر وقتها قعدت أقرأ بشغف كبييير عن التّخصص.. وجبت لوحة كبيرة وعلّقتها بغرفة القعدة وبلّشت أرسم وأطلّع الإبداع الأهبل البدائي..
وفعلاً .. عبيت الطلب، هندسة عمارة بالجامعة الأردنية، وعبيت باقي التّخصصات كلها بالأردنية بحيث لو ما صحّتلي عمارة أحوّل عمارة من أي تخصص هندسة تاني..
متخيلين شو يعني سكّان اربد، والتكنو واليرموك جنبي، وعبيّت كل الطلب أردنية؟ مش عارفة كيف أهلي ما اعترضوا ، وتركوني أقرر مكاني بإيدي .. بالعكس شجّعوني وما وقفوا بطريقي أبداً..
واحتياطاً قدّمت امتحان بالتّكنو، امتحان هندسة العمارة..
.
.
وبيوم القبولات،
شفت تحت اسمي بالخطّ العريض: ” كيمياء – الجامعة الأردنية” .. كان الخيار رقم 13 بعد الهندسات..
ما بنسى بكائي بنص الليل وأنا بتفقّد كل حد من عيلتي بغرفته.. أردنية يعني سكن، يعني أبعد عنهم.. وهاي كانت أول تحدّي بحياة بنت متعلقة جداً بأهلها..
سجّلت كيمياء بنيّة التّحويل.. وقبولات التّكنو ما وصولني بموعدهم لإني كنت كاتبة ايميلي عندهم غلط، والحال كلها مخربطة..
قرّرت برضه بما إني مجربة ومجربة أعيد مادتين توجيهي.. :3
وأقدّم تفوق فنّي بمجال الخطّ العربي..
مرّ الفصل الأول بكامل التعب والنّكد والحزن والأمل بالتحويل ..
طلعت نتائج التّوجيهي.. الانجليزي كنت 137 من 140 ، ع أساس أفلله وأكسب 3 أعشار.. نزلت لما يُقارب 120 من 140..
الرياضيات كنت 175 من 200، طلعت وصرت 198 من 200..
فتقريباً ضل الحال على ما هو عليه :3
والتفوّق الفنّي كانت ناقصة ورقة وخلص وقت التقديم فما تيسّر الأمر.. فما ضل إلا التحويل على نظام التّحويل الخاص بالجامعة..
.
.
مرّت سنتين على دخولي الكيمياء، وبنهايتهم كنت مخلصة كل مواد التّحويل، بمعدّل 3.7 من 4 .. يعني مبارك، حوّلتي لقسم العمارة .. كان من أجمل اللحظات في حياتي، لكوني للآن ما بعرف منين إجتني الجرأة أمشي بسنتين احتمالية الفشل فيهم كبيرة، ولو فشلت يعني رح أرجع للكيمياء وأكون متأخرة سنتين عن دفعتي لإني ما أخدت ولا مادة كيمياء..
بعد تحويلي بسنة، تسكّر التحويل للعمارة، وبعديها بطّلت العمارة تُقبل بناءً على المُعدّلات، وصارت بامتحان تنافسي ..
كان الرهّان، إني أضل مكملة مشوار معدل الامتياز، وأثبتْ إني مش أقلّ من أي طالب آخر بالتّخصص كان معدله بالتّوجيهي أعلى مني..
شاركت في اتّحاد الطّلبة في المكتب الإعلامي، وكنت مسؤولة السوشال ميديا.. مرّيت بتجارب رائعة وأجملها الاعتصام المفتوح لإلغاء قرار رفع الرّسوم، تطوّعت بكتير أفرقة في قسمي وخارجه.. وهالأمر ساعدني على تشكيل قاعدة واسعة من العلاقات سواءً الصداقة أو بمجال العمل..
الآن أنا طالبة في السّنة الرابعة، بمعدّل 3.8\4 .. نُشر أحد مشاريعي في مجلّة ألمانية للبحوث المعماريّة، وعم بسعى حالياً أنا ومجموعة من الزّملاء لإنشاء فرع لإحدى المنظّمات العالمية المختصّة بطلاب الهندسة المعمارية في الجامعة الأردنيّة، لنمثّل طلّاب الهندسة المعمارية على المستوى العالمي..
اشتغلت بتخصّصي في مجال التّصميم، وبغير تخصّصي بكتير مجالات وبكتير مواقع وشركات، لتحقيق نوع من الاستقلال الماديّ، والحمدلله الآن إلي دخل شبه ثابت وممتاز..
ولو كان في جملة بقدر أوصف فيها كلّ اللي مرّيت فيه، فهو تحقيق الرّضى ، والعزم على وصول المحطّة التالية..
أخيراً، كلْ حد فينا بيستطيع لو أراد.. تنظيم الوقت مهم، دعاء الوالدة ورضى الوالدين مهم، الأصدقاء حولك مهميّن، ثقتك بنفسك وبخالقك أهم وأهم ..
الجامعة مش معدّل ولا دراسة نحت.. الجامعة حياة كاملة، عيشوا الدّراسة فيها وعيشوا التطوّع وعيشوا المشاكل والصّعوبات قبل الفرح والإنجازات.. كل شيء رح يُمر، فما تترك مجال لنفسك تندم على شيء كنت ناوي تعمله وما عملته، الحياة مغامرات، جرّب حظك :”)